الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وفي إنجيل مرقص إنما جاءت مريم يوم الأحد بغلس وإذا ملك قد نزل من السماء برجة عظيمة فألقى الحجر عن القبر وجلس عنده وعليه ثياب بيض كالبرق فكاد الحرس أن يموتوا من هيبته ثم قال للنسوة: لا تخافا قد علمت أنكما جئتما تطلبان يسوع المصلوب ليس هو هاهنا أنه قد قام تعالين انظرن إلى المكان الذي كان فيه الرب واذهبا وقولا لتلاميذه أنه سبقكم إلى الخليل فمضتا وأخبرتا التلاميذ ودخل الحراس وأخبروا رؤساء الكهنة الخبر فقالوا: لا تنطقوا بهذا ورشوهم بفضة على كتمان القضية فقبلوا ذلك منهم وأشاعوا أن التلاميذ جاءوا وسرقوه ومهدت المشايخ عذرهم عند القائد ومضت الأحد عشر تلميذًا إلى الخليل وقد شك بعضهم، وجاء لهم يسوع وكلمهم وقال لهم: اذهبوا فعمدوا كل الأمم وعلموهم ما أوصيكم به، وهو ذا أنا معكم إلى انقضاء الدهر انتهى.وهاهنا أمور:الأول: أنه يقال للنصارى: ما ادعيتموه من قتل المسيح وصلبه أتنقلونه تواترًا أو آحادًا فإن زعموا أنه آحاد لم تتم بذلك حجة ولم يثبت العلم إذ الآحاد لم يؤمن عليهم السهو والغفلة والتواطؤ على الكذب، وإذا كان الآحاد يعرض لهم ذلك فكيف يحتج بقولهم في القطعيات؟ ا وإن عزوا ذلك إلى التواتر قلنا لهم: أحد شروط التواتر استواء الطرفين فيه والواسطة بأن يكون الأخبار في كل طبقة ممن لا يمكن مواطأته على الكذب فإن زعمتم أن خبر قتل المسيح كذلك أكذبتم نصوص الإنجيل الذي بأيديكم إذ قال نقلته الذين دونوه لكم وعليه معولكم: إن المأخوذ للقتل كان في شرذمة قليلة من تلامذته فلما قبض عليه هربوا بأسرهم ولم يتبعه سوى بطرس من بعيد فلما دخل الدار حيث اجتمعوا نظرت جارية منهم إليه فعرفته فقالت: هذا كان مع يسوع فحلف أنه لا يعرف يسوع ولا يقول بقوله وخادعهم حتى تركوه وذهب، ولم يكد يذهب وأن شابًا آخر تبعه وعليه إزار فتعلقوا به فترك إزاره بأيديهم وذهب عريانًا فهؤلاء أصحابه وأتباعه لم يحضر أحد منهم بشهادة الإنجيل، وأما أعداؤه اليهود الذين تزعمون أنهم حضروا الأمر فلا نسلم أنهم بلغوا عدد التواتر بل كانوا آحادًا وهم أعداء يمكن تواطؤهم على الكذب على عدوهم إيهامًا منهم أنهم ظفروا به وبلغوا منه أمانيهم فانخرم شرط التواتر.ويؤيد هذا أن رؤساء الكهنة فيما زعمتم رشوا الحراس فلا يبعد أن تكون هذه العصابة من اليهود صلبوا شخصًا من أصحاب يسوع وأوهموا الناس أنه المسيح لتتم لهم أغراضهم على أن الأخباريين ذكروا أن بختنصر قتل علماء اليهود في مشارق الأرض ومغاربها لأنهم حرفوا التوراة وزادوا فيها ونقصوا حتى لم يبق منهم إلا شرذمة، فالمخبرون لم يبلغوا حد التواتر في الطبقة الوسطى أيضا.الثاني: أن في هذا الفصل ما تحكم البداهة بكذبه، وما تضحك الثكلى منه، وما يبعده العقل مثل قوله للكهنة: إنكم من الآن ما ترون ابن الإنسان يريدون بالإنسان الرب سبحانه فإنه لم يرد إطلاق ذلك عليه جل شأنه في كتاب، وقوله: إن ناسًا من القيام هاهنا الخ فإنه لم ير أحد من القيام هناك قبل موتة عيسى عليه السلام آتيًا في ملكوته، وقول الملك للنسوة: تعالين فانظرن إلى الموضع الذي كان فيه الرب فإنه يقال فيه: أرب يقبر وإله يلحد، أف لتراب يغشى وجه هذا الإله، وتبًا لكفن ستر محاسنه، وعجبًا للسماء كيف لم تبد وهو سامكها وللأرض لم تمد وهو ماسكها وللبحار كيف لم تغض وهو مجريها وللجبال كيف لم تسر وهو مرسيها وللحيوان كيف لم يصعق وهو مشبعه وللكون كيف لم يمحق وهو مبدعه سبحان الله كيف استقام الوجود والرب في اللحود، وكيف ثبت العالم على نظام والإله في الرغام إنا لله وإنا إليه راجعون على المصيبة بهذا الرب والرزية بهذا الإله لقد ثكلته أمه، وعدمه لا أبا لك قومه؟ ا وقوله: إلهي إلهي لم خذلتني فإنه ينافي الرضا بمرّ القضاء، ويناقض التسليم لأحكام الحكيم، وذلك لا يليق بالصالحين فضلًا عن المرسلين على أنه يبطل دعوى الربوبية التي تزعمونها والألوهية التي تعتقدونها، وقولهم: أنه قام كثير من القديسين من قبورهم الخ فإنه كذب صريح لأنه لو كان صحيحًا لأطبق الناس على نقله ولزال الشك عن تلك الجموع في أمر يسوع، وقولهم: مضت الأحد عشر تلميذًا إلى الخليل الخ فإنه قد انطفأ فيه سراج التلميذ الثاني عشر على ما يقتضيه قول المسيح: ويل لمن يسلم ابن الإنسان مع أن يسوع بزعمكم قال لتلاميذه الاثني عشر وفيهم يهودا الإسخريوطي الذي أسلمه للقتل: إنكم ستجلسون يوم القيامة على اثني عشر كرسيًا تدينون اثني عشر سبط بني إسرائيل، وقولهم: إنهم سألهم شربة ماء فإنه في غاية البعد لأن الإنجيل مصرح بأن المسيح كان يطوي أربعين يومًا وأربعين ليلة ومثله لا يجزع من فراق الماء ساعة لاسيما وقد كان يقول لتلاميذه: إن لي طعامًا لا تعرفونه إلى غير ذلك.الثالث: إن ما ذكروا من قيام المسيح من قبره ليلة السبت مع صلبه يوم الجمعة مخالف لما رواه متى في إنجيله فإنه قال فيه: سأل اليهود المسيح أن يريهم آية فقال: الجيل الشرير الفاسق يطلب آية فلا يعطى إلا آية يونيان النبي يعني يونس عليه السلام لأنه أقام في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال وكذلك ابن الإنسان يقيم في بطن الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال الرابع: أن في هذه القصة ما يدل دلالة واضحة على أن المصلوب هو الشبه وأن الله تعالى حمى المسيح عليه السلام عن الصلب كما سيتضح لك مع زيادة تحقيق عند قوله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ولكن شُبّهَ لَهُمْ} [النساء: 157] هذا وإنما أكد الحكم السابق اعتناءًا به أو لأن تسلط الكفار عليه جعل المقام مقام اعتقاد أنهم يقتلونه، وأراد سبحانه بقوله: {وَرَافِعُكَ إِلَىَّ} رافعك إلى سمائي، وقيل: إلى كرامتي، وعلى كل فالكلام على حذف مضاف إذ من المعلوم أن البارئ سبحانه ليس بمتحيز في جهة، وفي رفعه إلى أي سماء خلاف، والذي اختاره الكثير من العارفين أنه رفع إلى السماء الرابعة، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه رفعه إلى السماء الدنيا فهو فيها يسبح مع الملائكة ثم يهبطه الله تعالى عند ظهور الدجال على صخرة بيت المقدس.وفي الخازن أنه سبحانه لما رفعه عليه السلام إليه كساه الريش وألبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب فطار مع الملائكة فهو معهم حول العرش وصار إنسيًا ملكيًا أرضيًا سماويًا، وأورد بعض الناس هاهنا إشكالات وهي أن الله تعالى كان قد أيده بجبريل عليه السلام كما قال سبحانه: {وأيدناه بِرُوحِ القدس} [البقرة: 87] ثم إن طرف جناح من أجنحة جبريل كان يكفي للعالم فكيف لم يكف في منع أولئك اليهود عنه؟ ا وأيضا أنه عليه السلام لما كان قادرًا على إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص فكيف لم يقدر على إماتتهم ودفع شوكتهم، أو على إسقامهم وإلقاء الزمانة والفلج عليهم حتى يصيروا عاجزين من التعرض له؟ وأيضا لما خلصه من الأعداء بأن رفعه إلى السماء فما الفائدة في إلقاء شبهه على الغير؟ وأجيب عن الكل بأن بناء التكليف على الاختيار، ولو أقدر الله تعالى جبريل، أو عيسى عليهما السلام على دفع الأعداء، أو رفعه من غير إلقاء شبهه إلى السماء لبلغت معجزته إلى حد الإلجاء، والقول بأن فتح باب إلقاء الشبه يوجب ارتفاع الأمان عن المحسوسات وأنه يفضي إلى سقوط الشرائع وإبطال التواتر، وأيضا إن في ذلك الإلقاء تمويهًا وتخليطًا وذلك لا يليق بحكمة الله تعالى ليس بشيء، أما أولًا: فلأن إلقاء شبه شخص على آخر وإن كان ممكنًا في نفسه إلا أن الأصل عدم الإلقاء واستقلال كل من الحيوان بصورته التي هي له، نعم لو أخبر الصادق بإلقاء صورة شخص على آخر قلنا به واعتقدناه فحينئذٍ لا يرتفع الأمان عن المحسوسات بل هي باقية على الأصل فيها فيما لم يخبر الصادق بخلافه على أن إبطال التواتر بفتح هذا الباب ممنوع لأنه لم يشترط في الخبر أن يكون عن أمر ثابت في نفس الأمر بل يكفي فيه كونه عن أمر محسوس على ما قاله بعض المحققين، وأما ثانيًا: فلأن التمويه والتلبيس إن كان على الأعداء فلا نسلم أنه مما لا يليق بالحكمة وإن كانت النجاة مما تمكن بدون الإلقاء وإن كان ذلك على أوليائه فلا نسلم أن في الإلقاء تمويهًا لأنهم كانوا عارفين يقينًا بأن المطلوب الشبه لا عيسى عليه السلام كما ستعرفه إن شاء الله تعالى، والقول بأن المطلوب قد ثبت بالتواتر أنه بقي حيًا زمانًا طويلًا فلولا أنه كان عيسى لأظهر الجزع وعرف نفسه ولو فعل ذلك لاشتهر وتواتر ليس بشيء أيضا، أما أولًا: فلأن دعوى تواتر بقاء المصلوب حيًا زمانًا طويلًا مما لم يثبتها برهان والثابت أن المصلوب إنما صلب في الساعة الثانية من يوم الجمعة ومات في الساعة السادسة من ذلك اليوم وأنزل ودفن، ومقدار أربع ساعات لا يعد زمانًا طويلًا كما لا يخفى، وأما ثانيًا: فلأن عدم تعريف المصلوب نفسه إما لأنه أدركته دهشة منعته من البيان والأيضاح، أو لأن الله تعالى أخذ على لسانه لم يستطع أن يخبر عن نفسه صونًا لنبيه عليه السلام أن يفصح الرجل عن أمره، أو لأنه لصديقيته آثر المسيح بنفسه وفعل ذلك بعهد عهده إليه رغبة في الشهادة، ولهذا ورى في الجواب الذي نقلته النصارى في القصة وقد وعد المسيح عليه السلام التلاميذ على ما نقلوا قبل بقولهم لو دفعنا إلى الموت معك لمتنا والشبه من جملتهم فوفى بما وعد من نفسه على عادة الصديقين من أصحاب الأنبياء عليهم السلام فهو من رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ومن ذهب إلى أن الشبه كان من الأعداء لا من الأولياء روى أنه جعل يقول لليهود عند الصلب: لست المسيح وإنما أنا صاحبكم لكنه لم يسمع ولم يلتفت إلى قوله وصلبوه، والقول بأنه لو كان ذلك لتواتر لا يخفى ما فيه لمن أحاط بما ذكرناه خبرًا فتأمل. اهـ.
.قال ابن عطية: أجمعت الأمة على ما تضمنه الحديث المتواتر من أن عيسى عليه السلام في السماء حي، وأنه ينزل في آخر الزمان فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويقتل الدجال ويفيض العدل ويظهر هذه الملة ملة محمد ويحج البيت ويعتمر، ويبقى في الأرض أربعًا وعشرين سنة، وقيل أربعين سنة، ثم يميته الله تعالى. اهـ..قال الفخر: المشبهة يتمسكون بهذه الآية في إثبات المكان لله تعالى وأنه في المساء، وقد دللنا في المواضع الكثيرة من هذا الكتاب بالدلائل القاطعة على أنه يمتنع كونه تعالى في المكان فوجب حمل اللفظ على التأويل، وهو من وجوه:الوجه الأول: أن المراد إلى محل كرامتي، وجعل ذلك رفعًا إليه للتفخيم والتعظيم ومثله قوله: {إِنّى ذَاهِبٌ إلى رَبّى} [الصافات: 99] وإنما ذهب إبراهيم صلى الله عليه وسلم من العراق إلى الشام وقد يقول السلطان: ارفعوا هذا الأمر إلى القاضي، وقد يسمى الحجاج زوار الله، ويسمى المجاورون جيران الله، والمراد من كل ذلك التفخيم والتعظيم فكذا هاهنا.الوجه الثاني: في التأويل أن يكون قوله: {وَرَافِعُكَ إِلَىَّ} معناه أنه يرفع إلى مكأن لا يملك الحكم عليه فيه غير الله لأن في الأرض قد يتولى الخلق أنواع الأحكام فأما السموات فلا حاكم هناك في الحقيقة وفي الظاهر إلا الله.الوجه الثالث: إن بتقدير القول بأن الله في مكان لم يكن ارتفاع عيسى إلى ذلك سببًا لانتفاعه وفرحه بل إنما ينتفع بذلك لو وجد هناك مطلوبه من الثواب والروح والراحة والريحان، فعلى كلا القولين لابد من حمل اللفظ على أن المراد: ورافعك إلى محل ثوابك ومجازاتك، وإذا كأن لابد من إضمار ما ذكرناه لم يبق في الآية دلالة على إثبات المكان لله تعالى. اهـ..من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَمُطَهّرُكَ مِنَ الذين كَفَرُواْ}: .قال الفخر: المعنى مخرجك من بينهم ومفرق بينك وبينهم، وكما عظم شأنه بلفظ الرفع إليه أخبر عن معنى التخليص بلفظ التطهير وكل ذلك يدل على المبالغة في إعلاء شأنه وتعظيم منصبه عند الله تعالى. اهـ..قال الألوسي: {وَمُطَهّرُكَ مِنَ الذين كَفَرُواْ} يحتمل أن يكون تطهيره عليه السلام بتبعيده منهم بالرفع، ويحتمل أن يكون بنجاته مما قصدوا فعله به من القتل، وفي الأول: جعلهم كأنهم نجاسة، وفي الثاني: جعل فعلهم كذلك والأول هو الظاهر وإلى الثاني ذهب الجبائي. والمراد من الموصول اليهود، وأتى بالظاهر على ما قيل دون الضمير: إشارة إلى علة النجاسة وهي الكفر. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن أن المراد من الموصول اليهود والنصارى والمجوس وكفار قومه. اهـ..قال ابن عاشور: والتطهير في قوله: {ومطهرك} مجازي بمعنى العصمة والتنزيه؛ لأن طهارة عيسى هي هي، ولكن لو سلط عليه أعداؤه لكان ذلك إهانة له.وحذف متعلق كفروا لظهوره أي الذين كفروا بك وهم اليهود، لأن اليهود ما كفروا بالله بل كفروا برسالة عيسى، لأن عيسى لم يبعث لغيرهم فتطهيره لا يظن أنه تطهير من المشركين بقرينة السياق. اهـ..من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَجَاعِلُ الذين اتبعوك فَوْقَ الذين كَفَرُواْ إلى يَوْمِ القيامة}: .قال الفخر: قوله: {وَجَاعِلُ الذين اتبعوك فَوْقَ الذين كَفَرُواْ إلى يَوْمِ القيامة} فيه وجهان:الأول: أن المعنى: الذين اتبعوا دين عيسى يكونون فوق الذين كفروا به، وهم اليهود بالقهر والسلطان والاستعلاء إلى يوم القيامة، فيكون ذلك إخبارًا عن ذل اليهود وإنهم يكونون مقهورين إلى يوم القيامة، فأما الذين اتبعوا المسيح عليه السلام فهم الذين كانوا يؤمنون بأنه عبد الله ورسوله وأما بعد الإسلام فهم المسلمون، وأما النصارى فهم وإن أظهروا من أنفسهم موافقته فهم يخالفونه أشد المخالفة من حيث أن صريح العقل يشهد أنه عليه السلام ما كان يرضى بشيء مما يقوله هؤلاء الجهال، ومع ذلك فإنا نرى أن دولة النصارى في الدنيا أعظم وأقوى من أمر اليهود فلا نرى في طرف من أطراف الدنيا ملكًا يهوديًا ولا بلدة مملوءة من اليهود بل يكونون أين كانوا بالذلة والمسكنة وأما النصارى فأمرهم بخلاف ذلك.الثاني: أن المراد من هذه الفوقية الفوقية بالحجة والدليل.واعلم أن هذه الآية تدل على أن رفعه في قوله: {وَرَافِعُكَ إِلَىَّ} هو الرفعة بالدرجة والمنقبة، لا بالمكان والجهة، كما أن الفوقية في هذه ليست بالمكان بل بالدرجة والرفعة. اهـ..قال ابن عادل: {إلى يَوْمِ القيامة} متعلق بالجَعْل، يعني أن هذا الجعل مستمر إلى ذلك اليوم. ويجوز أن يتعلق الاستقرار المقدَّر في فَوْقَ أي: جاعلهم قاهرين لهم، إلى يَوْمِ القيامةِ، يعني أنهم ظاهرون على اليهود، وغيرهم من الكفار بالغلبة في الدنيا، فأما يوم القيامة، فَيَحْكُمُ اللهُ بينهم، فيدخل الطائع الجَنَّةَ، والعاصي النَّارَ وليس المعنى على انقطاع ارتفاع المؤمنين على الكافرين بعد الدنيا، وانقضائها؛ لن لهم استعلاءٌ آخر غير هذا الاستعلاء.قال أبو حيّان: والظاهر أن إلى تتعلق بمحذوف وهو العامل في {فَوْقَ} وهو المفعول الثاني لـ {جَاعِل} إذْ معنى {جاعل} هنا مُصَيِّر، فالمعنى كائنين فوقهم إلى يوم القيامة. وهذا على أن الفوقية مجاز، أما إن كانت الفوقية حقيقة- وهي الفوقية في الجنة- فلا تتعلق إلى بذلك المحذوف، بل بما تقدم من {مُتَوَفِّيك} أو من {رَافِعُكَ} أو من {مُطَهِّرُكَ} إذْ يصح تعلُّقه بكل واحد منها، أما تعلقه بـ {رَافِعُكَ} أو بـ {مُطَهِّرُكَ} فظاهر، وأما بـ {مُتَوَفِّيكَ} فعلى بعض الأقوال.يعني ببعض الأقوال أن التوفي يُرادُ به: قابضك من الأرض من غير موت، وهو قول جماعة- كالحسن والكلبي وابن جريج وابن زيد وغيرهم. أو يراد به ما ذكره الزمخشريُّ: وهو مُسْتَوْفٍ أجلك، ومعناه: إني عاصمك من أن يقتلَكَ الكفارُ، ومؤخِّرُك إلى أجل كتبتُهُ لك، ومميتك حَتْفَ أنفكِ لا قَتْلًا بأيدي الكفار، وإن على قول مَنْ يقول: أنه تَوَفٍّ حقيقةً فلا يُتَصَوَّر تعلُّقه به؛ لأن القائلَ بذلك لم يَقُل باستمرار الوفاة إلى يوم القيامة، بل قائل يقول: أنه تُوُفِّي ثَلاثَ ساعاتٍ، بقدر ما رفع إلى سمائه حتّى لا يلحقَه خوفٌ ولا ذُعْرٌ في اليقظة. وعلى هذا الذي ذكره أبو حيان يجوز أن تكون المسألة من الإعمال، ويكون قد تنازع في هذا الجار ثلاثةُ عواملَ، وإذا ضَمَمْنَا إليها كَوَن الفوقية مجازًا تنازع فيها أربعة عوامل، والظاهر أنه متعلق بـ {جَاعِل}. وقد تقدم أن أبا عمرو يسكن ميم أحكم ونحوه قبل الباء. اهـ.
|